الطريق إلى الله سبحانه
الدرس الأول
{قَالَ فَمَن رَّبُّكُمَا
يَا مُوسَى * قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى }[طه
: 49 و 50 ]
الله سبحانه تكفّل بهداية كل المخلوقات حتى
الإنسان
إلا أن الإنسان هدايته اختيارية لا إجبارية وذلك من باب
التكريم :
وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي
آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ
وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً [الإسراء : 70]
ولأجل الوصول إلى الله
سبحانه
بعث الأنبياء والرسل
وأنزل الكتب
وأهدى كل إنسان عقلا
يفرق به بين الحق والباطل
وحارب اتباع الآباء
والأجداد والتسليم لعاداتهم وتقاليدهم :
إلا إذا حكم العقل
والدين بصحة تلك العادات والتقاليد
فقال في
1-
أهمية التعقل والتفكر :
أفلا يعقلون ؟
أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ
؟
... أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا [محمد :
24]
.... لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ
[البقرة : 73]
{ .. وَيَجْعَلُ الرِّجْسَ
عَلَى الَّذِينَ لاَ يَعْقِلُونَ } [يونس : 100]
2-
محاربة التقليد الأعمى :
وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا
مَا أَنزَلَ اللّهُ قَالُواْ بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا أَوَلَوْ
كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلاَ يَهْتَدُونَ [البقرة : 170]
بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا
آبَاءنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِم مُّهْتَدُونَ [الزخرف : 22]
وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا
مِن قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا
آبَاءنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِم مُّقْتَدُونَ [الزخرف : 23]
ومن التقليد الأعمى :
اتباع من رفض الأخذ بما يقوله العقل لأنه :
-
لا استدلال بلا عقل
-
وكل استدلال على رفض التعقل هو استدلال على
رفض قبول هذا الاستدلال ( يناقض نفسه بنفسه )
إلا إذا قال العقل أن
هذا الكلام صادر من الله العليم الحكيم الصادق الغني ، أو النبي المعصوم الذي هو :
{ وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى }[النجم : 3 و 4]
فيحكم العقل حينئذ بصدق هذا الكلام .
أما إذا وجد احتمال أن
يكون كلام شخص ما :
خاطئا أو يمكن أن
يشتبه أو أنه غير معصوم
فالعقل يحكم بعدم
التسليم المطلق لما يقوله ( وإلا فالانحراف والاشتباه سيبدأ من هنا )
خصوصًا مع وجود شياطين
الإنس والجن الذين يقول سيدهم :
{.. لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ
صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ * ثُمَّ لآتِيَنَّهُم مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ
وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَآئِلِهِمْ وَلاَ تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ }
[الأعراف : 16 و 17] .
الشياطين قالوا أنهم
سيستخدمون كل الأساليب لإضلال الناس ، حتى بواسطة الشعارات والمظاهر الدينية : (وَعَنْ
أَيْمَانِهِمْ ) ،
فبعد هذا هل يطمئن
ويسلِّم الإنسان إلى أحدٍ إذا وجد احتمال أنه قد يخطأ ؟ أم لا بد من التأكّد أولاً
؟
---------------------------------
الخلاصة :
إذا أردت أن تضِلّ أو
تُضل فعليك أن تعطّل حكم العقل وترفض حكمه
وأن تتبع من يحتمل أنه
يشتبه ويخطأ لتكون لله عليك الحجة البالغة
ولذلك يقول القرآن
الكريم :
{.. لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ
عَلَى اللّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ ..} [النساء : 165] ، أي بعد إرسال الرسل
وإيصال الدلائل والاستدلالات والبراهين الإلهية للناس .
الأنبياء جاءوا
ليوقظوا الغافلين عن هذه الحقيقة
لأن الإنسان يشتبه
ويغفل
أما الشخص العاقل الذي
يخاف الله سبحانه فإنه يتعظ لأنه يخشى سوء العاقبة :
سَيَذَّكَّرُ مَن يَخْشَى
[الأعلى : 10]
أما من لا يصغون إلى
هذه الحقائق فهم حصب جهنم :
وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ
كَثِيراً مِّنَ الْجِنِّ وَالإِنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ
أَعْيُنٌ لاَّ يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لاَّ يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَـئِكَ
كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَـئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ [الأعراف : 179]
وذلك لأنهم :
{.. صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ
فَهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ [البقرة : 171]
{ أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي
الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا
فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ
} [الحج : 46]
{ إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلَا تُسْمِعُ
الصُّمَّ الدُّعَاء إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ }[النمل : 80]
وبخلاف أولئك الموتى
يوجد المستجيبون الذي يبحثون عن حياة قلوبهم :
أَوَ مَن كَانَ مَيْتاً
فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُ
فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِّنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُواْ
يَعْمَلُونَ [الأنعام : 122]
ومن أجل الحثِّ على
ذلك يقول القرآن الكريم :
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ
آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُواْ
أَنَّ اللّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ
[الأنفال : 24]
ولن يستجيب ولن يسلّم
لهذا الأمر الإلهي إلا من يؤمن بالآخرة :
{ اسْتَجِيبُوا لِرَبِّكُم
مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لَّا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ مَا لَكُم مِّن مَّلْجَأٍ
يَوْمَئِذٍ وَمَا لَكُم مِّن نَّكِيرٍ }[الشورى : 47]
ولن يرفض هذه الحقائق
والمواعظ إلا الموتى وعميُ القلوب :
بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ
فِي الْآخِرَةِ بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِّنْهَا بَلْ هُم مِّنْهَا عَمِونَ [النمل :
66]